لا يزال الجرح في معلولا كبيرا، حيث آثار المعارك المتبقيّة بين أزقّتها وعلى جدرانها تشابه جرح أهلها على خلفيّة ما جرى في البلدة التاريخيّة. اهلها سامحوا لكنهم لم ينسوا أولادهم السبعة المخطوفين والمجهولي المصير حتى الان. حسرتهم أنّ من "اجتاح" البلدة هم البعض من شباب القرية ومعروفون بالأسماء، وبالنسبة لسكانها فإنّ صفحة الماضي طُويت لكن شبح الحرب يُهيمن يلاحقهم بفلذات أكبادهم.
في معلولا البلدة الوادعة بين الجبال حوالي 150 عائلة مسيحيّة يعيشون حاليا داخلها، وسبعة عشر عائلة مسلمة مُنحوا اذنا من السلطات السورية للعودة الى بلدتهم، بعضهم عاد والبعض الآخر لم يستطع بسبب تضرر منزله او مكان إقامته. الجميع يسعى لطيّ صفحة من الماضي غير البعيد، بسبب المعارك العسكريّة الطاحنة الّتي خرّبت المنطقة الأثريّة، ودمّرت بعض معالمها، حتّى جعلت العالم يصرخ على وقع ما جرى من دون مبرّر. وها هو المسيحي يجتمع مع المسلم مرّة جديدة.
لايخفى على أحد الحذر، الّذي أصبح مسموحاً في ظل الحرب الدائرة في أناء سوريا كافّة، إذ أن لا أحد يرغب تكرار التجربة، ومن ذاق النزوح قسرا عن بيته وبلدته ليس سهلا عليه تذوّقها مجددا، وما يسري على معلولا ينطبق على باقي البلدات التي حرّرها الجيش السوري، إذ أن اهلها وسكّانها يتمسكون بالجيش ويحرصون على ألاّ يدخل بينهم أي غريب او مشتبه في تواصله مع المسلحين، ففي السابق ترك الأمر فَدخَل المسلحون اليها وعاثوا فسادا، من حرقٍ وتدميرٍ للكنائس والمقامات الدينية ونهبِ المنازل. الاّ أن قضيّة واحدة لا تزال تعيق اتمام عمليّة عودة الإلفة والتسامح لبعض السكّان حيث بقيت قضية خطف سبع شباب من البلدة يؤرقهم.
"النشرة" الّتي زارت البلدة منذ فترة شاهدت عمليات الترميم والاصلاحات في دير مار سركيس وباخوس ودير القديسة تقلا وكنيسة النبي الياس الغيور وكنيسة مار جاورجيوس. وقبل ايام بدأت أيضًا عمليّة ترميم وتأهيل جامع معلولا بهدف إقامة الصلاة داخله في عيد الأضحى المبارك بحضور شخصيات دينية وسياسية بعد ان توقفت الصلاة والآذان فيه منذ ثلاثة اعوام اثر تعرضه والكنائس والأديرة والمنازل الى أعمال تخريب ونهب وحرق من قبل عصابات جبهة "النصرة" الأرهابية.
على الفور نفّذت عشرات النساء من معلولا اعتصاما أمام المسجد، وطالبن بوقف أعمال الترميم ريثما يتم الكشف عن مصير مخطوفي البلدة، ما اضطر العمّال الى ترك الورشة وتوقّف أعمال الترميم حتى الان. هذه الحادثة أثارت علامات استفهام كبيرة حول ما يجري ونيّة المشاركات في الاعتصام، تقول احدى النسوة أن "الرسالة وصلت لا صلاة في الجامع قبل عودة شباب البلدة" وتردف بالقول "لسنا ضد وجود المسلمين او الصلاة في الجامع لكن هذه إحدى وسائل ضغطنا لمعرفة مصير الشباب".
الحديث عن الأمر صعب وقليل جدا، لا احد يريد الإكثار من الكلام والتعليق، بل السمة الأبرز هي الحذر. امرأة أخرى من المعتصمات قالت بوضوح "نحن تجمّعنا بشكل تلقائي ولم ندع العمّال يدخلون للعمل "حتى عودة المخطوفين وإعمار الكنائس والمنازل، وعندها نتحدّث عن ترميم المكان الّذي خرج منه السلاح والمسلحون"، وفي منتهى الحسرة والغضب تُكمل بأنّ "مشروع إزالة الأنقاض إنتهى بَسّ مَدّدولو 10 أيّام لتنظيف بيوت مسلّحين وأُناس شوهدوا عَمْ يْفِكّوا أجراس الكنايس".
تؤكد وتكرر تلك المرأة ان ما يهمّها عودة الشباب ومن بعدها فليفعلوا ما يشاؤون، وتردف أنها ليست ضد المسلمين بل على العكس هي رحبت بالعائدين الى منازلهم، وهي تشكر أهالي "عين التينة" المسلمين الذين ساعدوا ويساعدون أهالي معلولا منذ اللحظة الأولى على محنتها حيث استقبلوهم حين نزحوا وقاتلوا معهم لاستعادة البلدة، "هذه سوريا" كما تقول المرأة ان "سوريا تجمع ولا تفرّق".
التعليقات على ما حدث كانت قليلة جدا، إذ ارادت المعتصمات ترك رسالة الى من يعنيه الامر ولم يطلقن أي شعارات خلال الاعتصام سوى "لا تعمير او تصليح بجامع معلولا قبل عودة الشباب".
وفي هذا السياق توضح المصادر لـ"النشرة" أن لا معلومات مؤكدة حول مصير الشباب المخطوفين، وتتعدّد الروايات حولهم فمنهم من يقول انهم مسجونون في دوما، والبعض الاخر يتحدّث عن وجودهم في جرود عرسال اللبنانيّة، وهذا المصير المجهول للأشخاص السبعة من معلولا يحمّله البعض لرئيس تيّار "المستقبل" النائب سعد الحريري على الرغم من أن لا معلومات مؤكدة حتى الان حيال المكان التي يتواجد المخطوفون فيها.
في الخلاصة، يبدو اصرار النسوة على عودة أبنائهنّ كشرط أساسي واضح لا لُبس فيه قبل عودة الترميم الى الجامع فـ"لا صلاة فيه ومن اراد غير ذلك فليعمل على الكشف عن مصير السبعة".